بطولات مناحيم في غزة

محمود علوي
قراءة 4 دقيقة
بطولات مناحيم في غزة

ما الذي أدخلني إلى هذا التراب، إلى كهف الحشرات هذا؟! لماذا لم تصمتوا وتأكلوا بقايا الطعام التي نرميها عليكم والتي تسخى بها نفوسنا الشحيحة؟ سنحاصركم من البر والبحر وننزل عليكم من السماء متى نشاء؟!

عانت عائلة جدي كثيرًا، حتى أن بعض أفرادها أُرسلوا إلى معسكرات الإبادة. وصراخها أصبح أعلى فأعلى ولم يتمكن أحد من الوقوف في وجهها. الألم ليس جديدا، لكنه ليس ألمنا هذه المرة. لدينا ما يكفي.

ليس لدينا مكان نتوقف فيه سوى هنا. ألا تفهم ذلك؟ كم منكم يحتاج إلى أن يتحطم حتى يفهم؟!

تذكر مناحيم أشياء كثيرة بينما كان متحصنا مع جنود آخرين تحت أنقاض المباني التي دمرتها قنابل الطائرات. ومن وقت لآخر كانت تمر بجانبهم بعض العائلات الخائفة وتهرب بأرواحها وبعض ممتلكاتها. وظهر رجل عجوز يسير ببطء، متكئًا على عصاه، ويتبع خطى اللاجئين.

– ساعده مناحيم (أحد الجنود).

– سأساعده عندما يعبر الشارع الواسع.

الكل يضحك…

وبعد أن استنفد كل طاقته للوصول إلى الجانب الآخر بأمان، أصيب الرجل العجوز بعدة رصاصات، تاركًا وراءه جسدًا هامدًا.

مناحيم يعود إلى ذكرياته..

كان جدي مقامرًا سيئًا وخاسرًا، وكان عندما يسكر يعيث فسادًا في المنزل، فأعطته جدتي المال الذي كانت لديه. كانت قوادًا في حانات برلين. لقد كسبت جيدًا. كان منزلهم صغيراً وقذراً، كما أخبرني والدي، لكن جدتي كانت بالكاد قادرة على دفع الإيجار وتوفير الطعام لنفسها ولوالدي.

الآن منزلي كبير، وتحيط به حديقة، وقد ولدت هنا. قال والدي إنه أحضر جدي وجدتي معه بعد أن وعدتهم الوكالة اليهودية بمنزل وعمل. وجد والدي المنزل جاهزًا ودافئًا، فقد تم بناؤه منذ وقت طويل. لقد كان منزل شخص ما. ورتبت أوانيهم وفرشهم ومتعلقاتهم في أماكنهم. لقد قمنا ببساطة بإزالة صورها من الجدران.

يركب مناحيم الدبابة مع آخرين ويشقون طريقهم عبر شوارع غزة المهجورة والمدمرة. صادفوا سيارة مدنية تقل عائلة نازحة.

– إنها الحشرات مرة أخرى (أحد الجنود).

– ماذا علينا أن نفعل يا مناحيم؟

– تحضير التسجيلات (الصمت).

– يطلق…

تنكسر السيارة وتتناثر أشلاء الجسم. الجنود في الدبابة يصفقون ويضحكون.

كان جدي سعيدًا جدًا بالمنزل الجديد. كان يقضي ساعات من النهار في أعمال البستنة بينما كان والدي يعمل في الجيش، لتوفير احتياجات والديه بشكل مريح.

هل يؤمنون أنهم سيعودون إلى ديارهم أم أننا سنترك هذه الأرض؟ ألم يسمعوا الله عندما وعد؟ من يشكك في وعود الله؟! فهم غير مؤمنين وجاهلين، أو ليس لهم إله.

– انظر هناك… من يختبئ تحت الأنقاض؟

تجمع الجنود وأطلقوا النار بكثافة ثم ساد الصمت.

لقد شقوا طريقهم إلى الأنقاض، مع توخي الحذر الشديد. كان هناك شاب كانت ملابسه متسخة وكان منهكاً من الجوع والعطش. وقام الجنود بضربه. لقد كان عاجزًا واستسلم. وأخرج أحد الجنود العلم الإسرائيلي من معداته.

– قبله يا كلب.

ورغم كسوره وألمه لا يستجيب.

– قبليه أيتها الحشرة.

ضربوه مرة أخرى. قام أحدهم بخلع قميص الرجل الفقير الصوفي. أخرج مناحيم سكينًا عسكريًا من حزامه، وانزلقها ببطء فوق جسد الشاب الفقير، ورسم بعناية نجمة سداسية على ظهره، فتدفق الدم. أطلقوا النار في الهواء وحول الشاب المنبطح، وأثناء قيامهم بذلك، تردد صدى صاروخ مجهول وانفجر في الجميع. وماتوا جميعاً ما عدا مناحم الذي حمل وساقاه مقطوعتان.

شارك هذه المقالة
Exit mobile version