وفي احتفال بهيج أمام فرق الموت في الطريق إلى غزة، ظهر وزير ما يسمى بـ«الأمن القومي الإسرائيلي»، الزعيم الكتابي النبيل المسمى ابن رجم، متحدثاً. كان الجو شتاءً مشمسًا، ارتفعت الشمس برأسها وتحركت ببطء وعنف إلى وسط السماء. نسمات هادئة دغدغت غروره وأشعلت انفعالاته، نظر إلى صفوف الجيش بنظارات ثابتة وانتظر كلماته الرعدية. واجتاحته رعشة النشوة التي أحبها وانتشرت في صدره، فانفجر غضبه وعواصفه كأمواج البحر. بدأ بصرخة هادئة، ثم اشتدت صرخته واشتد ليتحول إلى بحر متلاطم الأمواج، ووصل زئيره إلى سماء البحر:
“يا أبناء التوراة الأحباء، موسى وداود وسليمان وجبرائيل، استمعوا لي جيدًا، لقد قلتها دائمًا بصوت عالٍ، بكل جلال وفخر، لكل من يقتل العمالقة الجدد ليقتلوا ويهلكوا أحقر الحيوانات، لن يرضى الله عنك إلا أن يرف لك جفن، ولا يحق لك أن تشعر بالشفقة أو الرحمة تقتل وتدمر وتحرق، واعلم أنه ليس لك وزن ولا حاضر ولا مستقبل ولا شعور بالفخر والنبل والنبل إذا لم تدمروا هؤلاء الناس فسنفعل ذلك هنا في القدس وفي كل بلد، وفي المستقبل سنفعل ذلك في مصر والأردن وسيناء وفي الخليج واليمن ولبنان. لا تقلقوا، الجميع ينتظر دوره، قصف طائراتنا ومضات صواريخنا التي لا تتوقف ولا تختفي. سنستأصل شفاههم ونجعلهم عبرة لمن يفكر فيه».
رأى نفسه يطير ويرفرف بجناحيه فوق هذا الحشد، وغراب يحلق عاليا ثم ينقض على فأر، فيضعه بين مناقيره ويمزقه بمخالبه القوية ثم يطرحه على الأرض. وتابع خطبته المعصومة:
“كما نحن وهم أيها السادة، مثل الغراب والفأر، عندما يقع الفأر بين مخالبهم، اقتلوا الفئران ولا تتركوا منها أحدا.” كفلسطينيين، هؤلاء ليسوا بشر، بل مخلوقات خلقها الله الذي طلبه الرب. “هم عبيدك وأنا خلقتهم” في صورة كمثالك لتعرفهم وهم تحت تصرفك. يمكنك التخلص منهم إذا فعلوا ما لا يعجبك.
رفع جندي يده فهز بن رجيم رأسه وسمح له بالحديث:
وبصوتٍ عالٍ وبليغٍ نادى الحضور:
– أطلب منكم يا إخوتي ألا يلتقط أحد منكم صوراً لما يحدث هنا. هذا خطاب داخلي وليس مخصصًا للنشر.
ابتسم بن رجيم ابتسامة عريضة وحماقة وصرخ:
– قم بالتصوير والنشر كما تريد. عالم الوثنيين بأكمله موجود في جيبنا الصغير. نحن دولة نووية ولديها قوة جوية متفوقة كماً ونوعاً وتقوم بتدمير المنطقة. وانتقم من نسل العمالقة هؤلاء لما يأتي، وليعلم من لا يعلم. سنكتسح المنطقة بأكملها وندمرها بالكامل. الشيء الأكثر أهمية هو أن تستخدم أسلحتك ضدهم كما تستخدم السكين ضد قطعة من الكعك في حفلات أعياد ميلادك. أقدم لكم اليوم قطاع غزة، افعلوا به ما شئتم، ووسعوا مخيلتكم البطولية، ومارسوا كل مهاراتكم في الرعب والترهيب الداخلي. ولا تنسوا أننا نريد أن يكون قطاع غزة خالياً من الصراصير والثعابين السامة وجميع الحشرات.
تقدم رجل من حراسه ووضع الهاتف أمامه. ففرحت أسراره، ثم بكى:
فخر جديد أيها الأبطال. لقد أطلق إخوانكم في غزة النار بكل أشكالها على آلاف الغوغاء الذين جاؤوا لجمع أكياس الطحين من شاحنات المساعدات. لقد أعادوها في أكياس إلى أطفالهم الجائعين.
ضحك بصوت عالٍ ثم تابع:
– بدلا من الدقيق، استقبل أطفالهم جثث آبائهم.
“أما الخبر التالي، فالناطق باسم جيشنا يقول إن هؤلاء الأشخاص دهستهم شاحنات المساعدات التي دهست مئات الأشخاص بعد أن قتلتهم مدافع دباباتنا. قطاع غزة ولن يطردهم إلا أخبار القتل والدمار . وهذا ليس بجديد علينا في عام 1948. أعمال كثيرة وبطولات كانت سببا في هروب الناس، وخاصة فخر دير ياسين، وسنكرم هؤلاء الأبطال الذين يحيون تاريخ آبائهم الأحرار. إنهم أبطال مخلصون ويستحقون التكريم ولهم منا كل الاحترام”.
انطلقت صرخات وصفارات وتصفيقات مشجعة، وسرعان ما تشكلت دوائر الرقص. وفور انتهاء ابن رجيم من كلمته، خرج من المسرح وسط هتافات صاخبة، أبرزها: “الموت للعرب، الموت للعرب”. تمايل بين الراقصين، ناشراً ابتسامته العريضة هنا وهناك. وكثيرا ما كان يصافحه ويعانقه. قام أحدهم بجره إلى مقابلة تلفزيونية.
– وماذا عن المسجد الأقصى في رمضان؟
– تقصد جبل الهيكل. لا يوجد المسجد الأقصى. عدد المؤمنين الفلسطينيين المسموح لهم بالوصول إلى جبل الهيكل هو صفر. هذا المكان هو الحق الكامل لليهود.
سيدي، هذا من شأنه أن يثير غضب الجماهير العربية والإسلامية منا. ومن الممكن أن تواجه إسرائيل مخاطر أمنية بمنع الفلسطينيين من الصلاة، الأمر الذي قد يؤدي إلى انفجار الوضع.
– جبل الهيكل خط أحمر. ولا يُسمح لأي فلسطيني بالصلاة هناك هذا الشهر.
ودوت صافرة الإنذار معلنة اقتراب الصواريخ. وهرع ابن رجيم وحراسه إلى الملاجئ، وهرب الناس مذعورين، وكأنهم حمير في حالة تأهب.
تغيرت الأيام بسرعة ومضى الزمن في إحدى دوراته الطويلة. واقتادوا بن رجيم إلى المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمته. ونفى كل الاتهامات الموجهة إليه وتصرف وكأنه داعية للسلام والمحبة والوئام. وأخرج المدعي العام تسجيلاً فيديوياً له، وهو يوم استخدم فيه: “الموت للعرب، الموت للعرب، ويوم ألقى فيه” خطباً للجنود على أبواب غزة.