رغم رفض الرئيس لـ”إملاءاته”.. تونس تشارك في اجتماعات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي

سيد متولي
قراءة 7 دقيقة
رغم رفض الرئيس لـ"إملاءاته".. تونس تشارك في اجتماعات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي
توجه يوم الاثنين الماضي وفد تونسي إلى واشنطن العاصمة للمشاركة في اجتماعات الربيع السنوية لمجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي التي ستعقد من 15 إلى 20 أبريل 2024.

وتأتي المشاركة التونسية وسط الوضع المالي الصعب الذي تمر به البلاد، والذي يزيد من تفاقمه استحالة جمع تمويل جديد بالعملة الأجنبية بعد فشل المفاوضات السابقة مع صندوق النقد الدولي، بسبب رفض الرئيس التونسي. إلى ما وصفها بـ”الإملاءات الهدامة” التي فرضها الصندوق مقابل حزمة دعم مالي بقيمة 1.9 مليار دولار.
وبحسب بيان لوزارة الاقتصاد والتخطيط، حصلت البلد على نسخة منه، فإن الوفد التونسي يضم وزيرة الاقتصاد والتخطيط فريال الورغي، ومحافظ البنك المركزي التونسي فتحي النوري. ومديرة مكتب رئيس مجلس الوزراء سامية شرفي.
وتسعى السلطات التونسية من خلال هذه الزيارة إلى تقديم توجهاتها الاقتصادية الحكومية “الهادفة إلى زيادة معدل النمو الاقتصادي والحفاظ على التوازنات المالية وتحسين الأوضاع الاجتماعية، وذلك في إطار الرؤية الاستراتيجية لتونس 2035 التي تم وضعها وخطة التنمية 2024”. -2025″.
وبحسب البيان نفسه، فإن الوفد التونسي سيعقد سلسلة لقاءات مع مسؤولين كبار من بعض المؤسسات المالية الإقليمية والدولية ونظرائهم من الدول الصديقة والشقيقة، بهدف بحث “تعزيز التعاون خاصة في هذه المرحلة الدقيقة”. في “جميع دول العالم، وخاصة الدول النامية، تواجه العديد من الصعوبات الاقتصادية والمالية والاجتماعية، بالإضافة إلى التحديات الأخيرة المتعلقة بالتغير المناخي والطاقة والأمن الغذائي”.

فرصة للحصول على تمويل خارجي

وأوضح الخبير الاقتصادي بسام النيفر، في تصريحات لـ”البلد”، أن اجتماع الربيع يمثل فرصة للوفد التونسي، الذي تم تعيين أعضائه الجدد، للقاء نظرائهم من الدول الأخرى وممثلي المؤسسات المالية الدولية.
وتابع: “مهمة وزير الاقتصاد والتخطيط هي تقديم فكرة عن استراتيجية تونس لتحسين اقتصادها خلال الفترة المقبلة ومسار تنفيذ الإصلاحات التي ستعتمدها لتحقيق ذلك. البنك المركزي، “مهمته الرئيسية هي تقديم الاستراتيجية النقدية للبنك”.
واعتبر النايفر أن الوفد التونسي يعتزم استثمار هذه المشاركة لتعبئة الموارد المالية الخارجية في ظل توقف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وتعزيز التعاملات مع الدول الشقيقة والصديقة التي يمكن أن تكون بديلا للصندوق.
وأوضح النايفر أن رفض الرئيس التونسي الصريح لإملاءات الصندوق لا يمنع تونس من المشاركة في مثل هذه المحافل الدولية، خاصة أنها تتمتع بعضوية صندوق النقد الدولي.
ويشير الخبير الاقتصادي إلى أن تونس تعاني صعوبات حقيقية في تعبئة الموارد الخارجية اللازمة لتغطية عجز الميزانية الذي يصل إلى 3.2 مليار دولار.
وبسؤاله عن إمكانية استئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، قال النيفر: “الخطاب الدبلوماسي التونسي يتبنى دائما مقولة أن الباب يبقى مفتوحا مع هذه المنظمة الدولية المانحة، لكن في الواقع فإن السلطات الرسمية “التونسية ترفض هذا النوع “الإصلاحات التي طلبها الصندوق ونعتبرها تمس الجانب الاجتماعي وبالتالي لا يمكن الحديث عن تمويل من صندوق النقد الدولي”.

المفاوضات متوقفة بسبب قرار تونسي

من جانبها، قالت رضا الشكندلي، أستاذة الاقتصاد بجامعة تونس، لـ”البلد” إن الهدف من هذه الاجتماعات السنوية هو عرض البرامج التي ستعتمدها المؤسسات الدولية، ممثلة في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي الجهات التي تدفع الاشتراكات المالية فيها.
وأشار إلى أن اجتماع الربيع سيحدد أيضا القضايا المهمة التي ستركز عليها هذه المؤسسات خلال الفترة المقبلة والتي ستركز بشكل رئيسي على تغير المناخ وقضايا الطاقة والديون.
وأضاف: “بالنسبة لتونس، فإن درجة الاستفادة من هذه الاجتماعات مرتبطة بوجود قرار رسمي بمواصلة التعامل مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أم لا”.
وتابع: “إذا قررت تونس تغيير موقفها، فإن هذه اللقاءات تعتبر فرصة لمد جسور التواصل مع الصندوق، خاصة في ظل التغيرات الجيوسياسية الأخيرة في الشرق الأوسط وتأثيرات الحرب في غزة، والتي يمكن أن تؤدي إلى تفاقم الوضع”. سيؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط العالمية، مما سيخلق صعوبات لتونس في الحصول على… موارد الوقود الخارجية.
ويرى الشكندلي أن نهج الصندوق يختلف عن نهج الرئيس التونسي الذي يرى أن الشروط التي فرضها صندوق النقد الدولي على تونس لمنحها الاعتمادات المالية اللازمة تمس بالسيادة الوطنية والسلم المدني.
وأضاف: “إذا كانت لدى تونس رؤية واضحة للإصلاح الاقتصادي وحكومة راضية عن تلك الرؤية، يمكنها إقناع صندوق النقد الدولي بها، وهذا يعتمد بالأساس على مدى إقناع الفريق الحكومي”.
ويرى أستاذ الاقتصاد أن تونس تستطيع التعامل مع صندوق النقد الدولي من منظور ثنائي وفرض شروطه، “لأن المانحين يبحثون في نهاية المطاف عن ضمانة لاسترداد قروضهم خلال المدة المحددة، وهذه الضمانات تتوقف على شروط محددة. مؤشرات مثل معدل النمو وحجم الصادرات.

رفض الإملاءات الخارجية

وشدد الرئيس التونسي قيس سعيد، في عدة مناسبات، على رفضه التام لما وصفها بـ”إملاءات” صندوق النقد الدولي والتدخلات الخارجية في شؤون تونس الداخلية، معتبرا أن سيادة تونس خط أحمر لا يمكن لأي دولة تجاوزه.
وفي خطوة غير مسبوقة، أعلن سعيد خلال إشرافه على اجتماع مجلس الأمن القومي بعد ظهر أمس، أنه سيدعو بعض السفراء الأجانب لحث عواصمهم على عدم التدخل في الشؤون الداخلية لتونس.
وقال سعيد: “من يعتقد أنه يستطيع بسط ولايته على تونس فهو مخطئ. نحن نتعامل مع إخواننا وأصدقائنا، ولكن بالاحترام المتبادل لسيادتنا، ومن يعتقد أنه من الممكن أن نختلط علينا، فليزيل هذا الوهم”.
ويرى زعيم حركة البعث صهيب المريزيقي أن الدول المستهدفة بهذا الخطاب هي بالأساس الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا، التي تسعى إلى السيطرة على المشهد السياسي في تونس وتبسيط توجهاتها السياسية والاقتصادية إلى حد التناقض. وقال إن الضغط على تونس والمساس بسيادتها.
وتابع في تعليق لـ”البلد”: “هذا الخطاب يتضمن أيضا تلميحا لإيطاليا التي سيزور رئيس وزرائها تونس غدا الأربعاء للتفاوض بشأن قضية الهجرة غير الشرعية، حيث أكد الرئيس أن تونس لن تكون مقرا أو نقطة عبور للأفارقة من جنوب الصحراء الكبرى الذين تكثفت اجتماعاتهم في عدة ولايات تونسية.
واعتبر المريزيقي أن استدعاء سفراء هذه الدول أصبح خطوة ضرورية للحفاظ على علاقة الصداقة والتحالف السياسي والدبلوماسي والاقتصادي مع هذه الدول وتكريس مبدأ استقلالية القرار الوطني.
وتبنى المريزيقي نفس السؤال الذي طرحه الرئيس قيس سعيد: “لماذا لا تتدخل تونس في شؤون إيطاليا أو فرنسا أو أي دولة أخرى؟”، لافتا إلى أن تونس تحترم المواثيق الدولية وسيادة الدول.
شارك هذه المقالة
Exit mobile version